هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  عدالة عمياء أعدمت عدراءا

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
دعم اونلاين
عضو مبتدئ
عضو مبتدئ
دعم اونلاين


تاريخ التسجيل : 04/04/2012
المشاركات : 10
ذكر
تاريخ الميلاد : 13/12/1995
نقاط : 22160

 عدالة عمياء أعدمت عدراءا Empty
مُساهمةموضوع: عدالة عمياء أعدمت عدراءا    عدالة عمياء أعدمت عدراءا I_icon_minitimeالخميس أبريل 05, 2012 6:01 am


زغاريد ودقّات دفوف ، وأهازيج هزّت المكان ، ونسوة يُسرعْن الخطى وراء الركب...
عروسٌ على ظهر بغلة ، متـّجهة صوب بيت عريسها ، كما سنـّتها التقاليد...
ركب الأخ الأصغر وراء العروس ، إنّه الوحيد من رجال أهلها ، ألّذي له الحق بصحبتها حتّى تمرّ ليلة الدخـْلة .

فرحت الطاهرة حين اختارتها أم الحسين من بين فتيات القرية ، لتكون زوجة لإبنها الحسين ، الذي يشتغل بمدينة الدار البيضاء منذ أربع سنوات ، كموظف وبراتب كبير ...
ـ ألفيْن درهم لكلّ شهر، ردّدت الأمّ بافتخار... وستعيش ابنتكم مرتاحة كأميرة ، لن ينقصها شئ ...
استرقت الطاهرة السمع خلف ستارة الباب ، فلا يحقّ لها أن تشارك النسوة كلامهنّ ..حمدت ربّها أن نصيبها أحسن من أخواتها الثلاثة ، اللواتي تزوّجن في البلدة ، وهنّ يساعدن أزواجهنّ في فلاحة الأرض ،وقد غرقن في العمل ، وتحملنّ مسؤوليات أكبر ...
كلّ بنات القرية حسِدناها حين سمعن أنّها ستعيش بالبيضاء ، وهي من بلغتْ سِنّ الصوم منذ ثلاث سنوات ، ولو تأخرت أكثر عن الزواج ، فلن يتقدّم لها سوى أرملٌ أو مطلقٌ ذو أطفال ...


وصل الركب بيت العريس ، ورغم الفرحة الغالبة على أجواء العرس ، فـالتوتر وحالة ترقّبٍ كانا سيّدا الموقف ، خصوصا بعد أن أخذوا العروسة وذهبوا بها إلى مكان مجهول ، ليس لأهلها الحق في معرفته ...
وضربات الدفوف لم تتوقف ، كما هيّ دقّات القلوب ....وحناجر البنات تزدن من رفعها بالغناء ، حتى يثبتنّ وجودهنّ ، لعلّ بعض الأمّهات يجدنّ فيهنّ عروسات لأبنائهنّ .


إنتظرت الطاهرة عريسها بين خوفٍ وخجل ، وهيّ ترسم أحلامها البسيطة في حياتها الجديدة ...
ـ سأكون له الزوجة المحبّة ...
لم تدرس يوما ، وباقي فتيات القرية ، لكن تعلّمت كيف تصبح ربّة بيت ممتازة ، وتعلّمت الطاعة للرجل ، طاعة عمياء ...هكذا أوصتها أمّها منذ أن أُعلنت خطبتها ، وردّدت لها مرارا أنّ الزوج أصبح كلّ عالمها ، وطاعته بعد الله فرض عليها...

فـُتح الباب ودخل الحسين ، بجلبابه الأبيض وقامته المتوسطة ، لم تكن ملامحه جذّابة ، لكنْ هذا زوجها الآن... لم تدقّق النظر فيه ، أخفضت عيناها حياءً واحتراما له ، تمتم بصوت غير مسموع ، فردّت عليه السلام وابتسمت...
إقترب منها أكثر ٬ لكنّ رائحة قوية روّعتها ، إنّها تعرفها جيّدا ، وكثيرًا ما شمّتها في أخيها ، إنّها رائحة ماء الحياة ، لقد شرب النبيد ، و يوم زفافه ...
كانت الطاهرة جميلة جدّا بملامحها الطفولية ، وشعرها الأسود المستدلِ على ظهرها وعلى كتفيها ، وعيونها المكحّلة بكحل اسود ، وقد زيّنت نساء القرية جبينها بخطوط رفيعة عمودية من الزعفران الحر والعكّار الفاسي ، ووضعوا على رأسها سبنيَة حريرية كخمار شفاف ....هذه تقاليدهم ، لم تلطّخها بعدُ موادّ التجميل العصرية ، بلْ بساطتها جعلت العروس تبدو أكثر جمالا وأناقة ...


أخذت دقّات الباب تستعجل العريس في الدخلة ، وأصواتٌ تمزاجتْ مع دقّات الدفوف ، دقات تزداد بعنف ..
كان جوّا يوّتر الأعصاب لامحالة ، والحسين يدور حول نفسه وهو يلهث كحيوان مصاب داخل قفص ، حيث تمنّتْ الطاهرة للحظة ، لو توقّف كلّ هذا وساد الصمت لدقيقة...
إختلطتْ الأنفاس بعطور الندّ والبخور وماء الحياة ، وبعد عدّة محاولات من الحسين دون جدوى ، وقد خانته رجولته في أحرج وقت إحتاج لها... ضغط واستعجال أهل العريس ، وترقب أهل العروسة ...
فتح أخيرا الحسين الباب بعصبية ... فاتجهت كلّ العيون نحوه ، وشوَش بكلمات لوزيره (وهو مرافق للعريس )...فأُسكتتْ الطبول ، وأُطفأت الأنوار ، وأُخمدت النار ، وعمّ المكان صمتٌ رهيب ...
دخل العريس على الطاهرة ، وأشبعها رفسا وركلا ، وجرّها من شعرها ورماها في الغرفة المجاورة ، التي تجلس فيها قريبات العروس ، ودوّى صائحا:
ـ إبنتكم فاجرة وسافلة ، قد باعت شرفها ...إنّها طالق بثلاث.
حاولت الأمّ أن تدافع عن شرف ابنتها وسط هول الصدمة ، ورفعت دليل براءة ابنتها من التهمة : ورقة طبية تشهد بعذريتها...
ـ إنّها مزوّرة ....أنتم على علم إذن ،وخدعتمونا بتزوجي هذه الساقطة العاهرة...
قاطعته الام كأنّها تتوَسّله ، لعلّه يسمع كلامها :
ـ إنّها شهادة طبيب من مشفى عمومي ، كنت أنا وأبوها من اصطحباها إليه منذ أقلّ من أسبوع...
لم يكترث لكلامها، وتدخلت أمّه بكلام قوي متعالٍ ، كأنّها وجدت أخيرا الطريق لتشفي غليلها ، مِنْ مَنْ كانوا بالامس فقط أحبابها ، واليوم تبدل الوضع اصبحوا أعداءها:
ـ دفعتمْ نقودا لشراء الشرف بشهادة طبيّة ، لو كنتُ مكانكم لقتلتها بدل الدفاع عنها ، خذوا عارَكم معكم لن تـُلطّخ شرف إبني أبدا ...
خرج النسوة مطأطآت الرؤوس من الذلّ الذي أصابهنّ ، وأهل العريس يقدفونهنّ بوابل من الشتائم والبصق ..
ندبتْ الأمّ حظّها وحظّ ابنتها التعيس :
ـ كيف أخبر إخوانك وأصهاري ...وا فضيحتاه... سيكون شرفنا عِلكة تلوكه كلّ القبائل المجاورة..

لم تصدّق الطاهرة ما حدث ٬ لماذا تحوّل فرحها إلى منصّة إعدام ، لما شنقت بالساحة العامة ، أمام كل الجموع ، أقارب وأعداء...
لقد ضاعت ولن تستطع أبدا أن ترفع حتّى عينيها أمام العالم وأمام أمّها ، كانت الدموع تنهمرعلى خدّيْها ..كأنّها أبتْ إلاّ أن تغسل هذا الشرف ملطّخ... شرفها وشرف أهلها ، لكن ما السبيل...
ـ ماذا حدث أخبريني ...قالت الأم بصوت ملكوم
ـ لا شئ أمّي ..إنّه مخمور بماء الحياة ..إنّه فاشل وعجز عن فكّ عذارتي ، رغم محاولاته العديدة ...كم هو حقير أمّي ، برّأ نفسه واتهمني في شرفي ...
قاطعتها أمّها وتعالى نحيبها أكثر ..
ـ أصمتي ، لا أريد سماع صوتك ... قد فضحنا الكلب ومرّغ شرفنا بالتراب ..الله يلعن خِلفة البنات ...ليتني متّ قبل أن أصل للبيت وأخبر إخوانك ...

أعـْيُنُ القريبات لم ترحمها ، هناك مُشكّك وهناك مُصدّق لِما ادّعاه العريس ....لُعن يومٌ اصطحبناها فيه ، ولُعن يومٌ كانت قريبتهنّ ، سوف يحاكمن بفعلتها ، وتلحق لعنة العار ببناتهنّ ...
وكلّ كلماتهنّ لا تزيدُ سوى غرزَ الخنجر في الجرح أكثر فأكثر ، وكأنّهنّ يتمتّعن بعذابها ، ولم يكفيهنّ ما أصابها ، وكلّ واحدة تستفسر عن ما جرى وكيف ولماذا... وهي وأمّها رؤوسٌ مخفضة ودموعٌ لم تتوقف..

ردّدت الأمّ بيأس منفرط يُدمي القلب:
ـ ربّما يكون الخبر وصل إلى البيت ...كيف أواجههم ...كيف أدافع عن شرفٍ مرّغه كلب بالتراب ..
من يردّ عنّا الفضيحة ، من يسدّ أفواه الناس ويرْدَعَهم عن الكلام ...
ما نفـْعُ هذه الورقة اللعينة ولوْ شهدتْ ببراءتك ... بعد قوْل الجميع أنّك طُردتي يوم دُخلتك ...
أكيد ، لا أحدًا سيصدّقنا ... إلاهي رحمتك ...

إبتدأت الأمّ تـُهلْوِس كأنّها أصيبتْ بالجنون ، غير مبالية بوَقع الكلمات على الطاهرة ، نعم ، كيف تبالي لِمنْ أصبحتْ عِبءًا ثقيلا وعارًا وجَبَ التخلّص منه ...
بكتْ الطاهرة بصمتٍ وألم ، بكتْ حالها ، بكتْ حال أمّها...
وأخيرا ... جاءهم الفرج من قريبة عاقر ، تطوّعتْ لتستضيف الطاهرة في بيتها ، لأسابيع حتّى يتناسى أهل البلدة حكايتها...
إتجهت الطاهرة مع خالتها إلى منزل الخالة فاطمة بصمت ، والهواجس المؤلمة قد أتعبت عقلها الصغير، دون أن تجد تفسيرا مقنعًا لما حصل لها ...
هل هي السبب ، هل خاتم عذارتها صعبُ الفكّ ،
هل الخمر السبب ،
هل ضعفٌ جنسيّ للعريس السبب...
تساؤلات آلمتـْها طول الطريق إلى بيت الخالة ، لما طالت هذه الليلة كأنها دهرا...
لِما لم يبزغ نور الفجر بعد ، لما حلّ الظلام الدامس ، بعدما كانت ليلة مقمرة في بدايتها .....
لن تشتكي ، ما نفع الكلام الآن ...
لقد كانت منْ قبلُ حسناء القرية ، ومصدر فخر عائلتها ، لكنّ الظالم اللعين ، في لحظة جعل منها أقذر وأحقر نساء القرية ، لن يصدّقها أحد ، لأنّ وشوَشة رجلٍ أعلى من صرختها ، فما بالُ أنينها.....
لن تجد بعدَ الآن صدرا تبكي في حضنه ، ولن تجد من يمسح العار عنها ، سوى الموت ، ستعيش هنا خادمة تحت أقدام الكلّ ... ما أن تشتكي ، حتّى تـُرفع ورقة العار في وجهها ، لتذلّها أكثر...
ـ شهادة طبيّة ، هيهات ما نفـْعُها إذن ، ما نفعُ ورقة تشهد ببراءتي إن كان القاضي مُجتمعٌ ظالم وتقاليدٌ عمياء...لقد حكم ونفـّذ الجميع حكمه دون رحمة...والضحية بالنسبة لهم الحسين ،رجل بدون رحمة ولا قلب ولاضمير ، حسبي الله ونعم الوكيل.

في غرفة معزولة عند خالتها ، كلام أمّها تردّد كصدًى رهيبًا في أذنيْها:
ـ إهتمّي بها يا فاطمة ، انها فلذة كبدي، لكنّ القدر أقسى ، وما عليها سوى أن تختفي من حياتنا ، حتّى نحاول أن نستمرّ في العيش ...
كانت كلمات الأمّ عفوية للخالة ، لكنّها كانت بالنسبة للطاهرة سكاكين تقطّع أحشاءها ، حتّى أمّها تمنـّت موتها ، إنّها أصبحت كلبا مصعورًا ، يسعى الكلّ لعقره أو الإبتعاد منه ، حتّى لا تنتقل إليهم عدواه ...

كم هي باردة هذه الغرفة ، وكم هي مظلمة هذه الحياة ... لقد قررتْ الرحيل بعيدا ، بآلامها وضياعها ، حتّى أهلها منعوها من رفع دعوة ضدّ الحسين لتستردّ شرفها ، لقد برّروا الظلم بقولهم : ما ينفع الحكم الآن ، وقد حكم المجتمعُ والأعرافُ ، وانتهى الأمر ...

لكن ، هل الرحيل سيمحي عارها ويُبْكم الأفواه...لم تفكر الاجابة...كثيرا بل حملت نفسها بخطى متثاقلة وهي توَدّع البلدة التي حملتها ، أرضٌ شاهدة على عفافها ، ودّعتْ الأشجار التي تخبّأت يومًا ما وراءها ، وهي تضحك وتلعبُ مع قريناتها ، ودّعتْ الزرع والأحجار ، بنظرة منْ أعينٍ تذرف دمْعَ الفراق...
لكن لم تستطع أن تودّع بشرًا ولوْ من أهلها ، ولوْ أمّها...
فقط ، لن يسمحوا لها بتوديعهم ، لقد محوْها من ذاكرتهم ، لقد أصبحتْ رميما مندثرا....


رحلتْ إلى البيضاء ، مدينة بأضواءٍ ساحرة ، وعماراة شاهقة ، وشوارعَ واسعة مكتضّة ...
رحلتْ وضاعتْ هناك ، في زحمة خانقة ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
امين
عضو قدير
عضو قدير
امين


تاريخ التسجيل : 22/03/2012
المشاركات : 446
ذكر
تاريخ الميلاد : 01/08/1985
نقاط : 22989

 عدالة عمياء أعدمت عدراءا Empty
مُساهمةموضوع: رد: عدالة عمياء أعدمت عدراءا    عدالة عمياء أعدمت عدراءا I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 18, 2012 4:59 am

بارك الله فيك
شكرا على الموضوع الرائع
تسلم ااديك
تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Trevira
الأدارة
الأدارة
Trevira


تاريخ التسجيل : 17/02/2011
المشاركات : 1586
البلد : أرض الله الواسعـه
انثى
نقاط : 26810
الموقع : منتديات تريفيرا النسائي

 عدالة عمياء أعدمت عدراءا Empty
مُساهمةموضوع: رد: عدالة عمياء أعدمت عدراءا    عدالة عمياء أعدمت عدراءا I_icon_minitimeالخميس يونيو 14, 2012 3:59 am

بـارك الله فيك اخـي ..

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://trevira.yoo7.com
احلى طفله
عضو مميز
عضو مميز
احلى طفله


تاريخ التسجيل : 12/04/2012
المشاركات : 78
البلد : السعودية
انثى
وظيفتك : ~ طالبهـ ~
نقاط : 22187
الموقع : دفئ الالماس

 عدالة عمياء أعدمت عدراءا Empty
مُساهمةموضوع: رد: عدالة عمياء أعدمت عدراءا    عدالة عمياء أعدمت عدراءا I_icon_minitimeالسبت يونيو 16, 2012 2:09 pm

شكرا جدا Mad @!#$$ Wink
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عدالة عمياء أعدمت عدراءا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: آلآقـســ ـآمـ آلآـدبـيــ ـهـ :: دفئ القصص والروايات-
انتقل الى: